بسم الله الرحمن الرحيم
في بداية الانهيار الماضي تعالت الأصوات المنادية بالتمسك بالأسهم من المحللين في شاشات التلفزيون وكتاب المنتديات المخدوعين والمأجورين وتمسكنا نحن معاشر القطيع بأسهمنا بينما كان هوامير السوق يقومون بعمليات الشطف النهائي لمحافظهم..
وبعد أن وصلت الأسعار إلى أدنى مستوياتها وتهاوى المؤشر تحت حاجز العشرة آلاف خرجت تلك الأصوات إياها تندب وتولول وتنذر بالويل والثبور وتبث الإشاعات المروعة عن مستقبل مظلم للمؤشر لن يتوقف إلا تحت حاجز السبعة آلاف..
وكعادتنا نحن البؤساء السذج صدقنا تلك الأقاويل وأفرغنا محافظنا في الوقت الذي أشرع المجرمون فيها محافظهم لاستقبالها بأبخس الأثمان..
وعندما اتضحت الرؤية وانجلت الغمة وبان للجميع أن السوق قد تجاوز كبوته وسلك المسار الصاعد انبرى الأوصياء علينا للمرة الثالثة يسدون النصائح بالابتعاد عن أسهم الخشاش والدخول في الأسهم المحترمة وذوات العوائد فصدقناهم وأقبلنا بقضنا وقضيضنا على تلك الأسهم ظنا منا أنها هي التي ستعوض خسائرنا وتعيد إلينا ثرواتنا المسلوبة..
وفي غمضة عين تغير مسار السوق وعادت أسهم الخشاش إلى الانتفاخ مرة أخرى بنفس القوة والزخم الذي كانت عليه قبل الانهيار بينما تربعنا نحن على المدرجات ( المحترمة ) ذاهلين واجمين نتجرع الحسرة والندم والأسف حين لا ينفع من ذلك شئ..
صحونا كعادتنا متأخرين.. قذفنا بالأسهم المحترمة غير مأسوف عليها في محافظ الصناع بنفس الأسعار التي أخذناها بها وربما بأقل وأطلقنا السيقان لريح الخشاش العاتية واستعدنا أسهمنا بعد أن تفضلوا مشكورين بتسمينها مجانا..
عادت الحياة مرة أخرى إلى محافظنا المقفرة وعاودتنا أحلام الثراء من جديد ونحن نرقب أسهمنا الخشاش الأثيرة تتوشح بالألون الزاهية الخضراء..
اللعنة على الأسهم المحترمة واللعنة على من غرر بنا وجعلنا نفرط في كنوزنا الخشاشية الثمنية.. هكذا رددنا بيننا وبين أنفسنا..
لم تدم فرحتنا طويلا.. وهكذا دوما سعادتنا ومضات خاطفة لا تلبث أن تتوارى..
استيقظنا هذا المساء على صراخ أسهمنا التعيسة.. أسهم الخشاش والشركات المفلسة والإدارت الفاشلة والمؤشرات المتضخمة...
اكتشفنا ـ بعد فوات الأوان ـ أن هذه الفورة الأخيرة لأسهم الخشاش ما هي إلا صحوة الموت أو المرحلة الأخيرة من مراحل التسمين التي تسبق النحر مباشرة..
نحروا فراخنا وطاروا بخراف العوائد التي أنهكها الجوع والمرض إلى حظائرهم كي يدخلوها في مرحلة جديدة تستعيد فيها عافيتها..
وبعد أن ينفخوا فيها ماشاء لهم الطمع والجشع سوف يتولون مشكورين قيادتها إلى محافظنا.. المقر الصحي والآمن والمطابق للمواصفات لعمليات الذبح والسلخ والتقطيع..
والآن بعد أن استقر كل في مكانه المناسب هاهي أصوات المأجورين والمخدوعين تعود إلى عزف مقطوعتها الأثيرة عن أسهم العوائد والخشاش مؤذنة برفع الستار عن مسرحية تراجيدية جديدة لإفلاسنا بنفس السيناريو وبنفس طاقم الممثلين والكومبارس..
حكمة خالدة قالها إبراهيم الراجحي..
( ما كسبه القطيع في سوق الأسهم دين سوف يرجعونه..وبفوائده )
وأنا أقول ( وفوقه حبة خشم بعد )
منقول