الساعة تقترب من الخامسة صباحاً..
أكاد أسمع من بين هذا الصمت دبيب نهار جديد.. لقد عصاني النوم فأحببت أن أرسم لك حروفا أسكب فيها شيئا من روحي و وجداني ..
وما السطور التالية إلا زفرات قلبي و آهات نفسي و همسات تتمشى في دهاليز أعماقي ..
ربما تتفق معي على أن ذات الإنسان قارة مجهولة بحاجة إلى ربان ماهر لاكتشافها .. أحيانا تبدو لي الثقافة هي معرفة الذات ..
وذات الإنسان هي مسرح خفي ترقص فيه الأفكار .. قد يصبح حديقة .. قد يصير مقبرة .. قد يغدو هذا المسرح صحراء ميتة تجول فيها الجن و العفاريت ..
الإنسان من الداخل دون نور أمل يغدو كطير كسيح فقد أحد جناحيه .. ولك أن تتخيل .. عصفور أعرج يتخبط تحت أقدام الخيول في معركة شرسة ..
والإنسان عندما يبتسم يبدو لي أنه يرمم أعماقه .. يزيفها .. ينثر عليها المساحيق .. أحيانا الابتسامة تصبح جريمة ..
ومجنون من يبتسم في هذه الدنيا .. إنها ليست دعوة لمزيد من القلق و الحزن .. بل هي رسالة للتأمل ..
الحياة عندي عاصفة ..رعود .. صواعق .. بحر هائج .. سماء جريحة .. حمامة قتيلة .. وردة مسحوقة .. كلمة مشنوقة ..
اللحظة القادمة عندي هي الكارثة بعينها .. إنها لحظة مليئة بالضباب .. بالدخان .. بالصراخ ..
أشم رائحة الهزيمة من ثنايا الغد دائما .. الغد عندي حقيبة مملوءة بالخوف .. بالرعب .. بالديناميت .. بأحلام موؤدة و آمال محطمة ..
والغد ينام كل ليلة تحت وسادتي .. تحت غطائي .. يعبث بأحلامي .. بأفكاري .. كل ليلة يرتكب مجزرة مرعبة ..
يطلق الرصاص على أجمل الأحلام و أحلى الأمنيات .. و أستيقظ كل صباح و وسادتي قد غدت قبرا لكل بارقة أمل بغد أفضل ..
والموت عندي أراجوز غريب يتراقص أمامي بعدد دقائق يومي ..أهرب منه إلى أي مكان فأجده يترصدني في كل مكان و خلف كل باب ووراء كل إلتافة أو نظرة ..
والحب عندي هو الحلم المستحيل الذي وضعته في تابوت و ألقيت به في أعماق البحر .. فنزيف العواطف قد يقود إلى الجنون .. إلى الجنوح .. إلى السقوط ..
و أنا مجنون بغير هذا الحلم المستحيل ..
والليل عندي أنشودة جميلة أهمس بها للنجوم .. للقمر .. للأرواح الهائمة تحت جناح الظلام ..
كل ليلة يمر تحت نافذتي عباقرة التاريخ أسامرهم .. وأجادلهم و في نهاية المطاف أطلق عليهم الرصاص جميعا ..
فأغزل من أفكارهم نور طريقي ..و من كلماتهم نبراس حياتي .. في الليل يا صديقي أصنع نجاحي بتشريح جثث العظماء و أتعرف على سبيل نجاحهم ..
ذات مرة سقطت نجمة من السماء بين يدي .. عطفت عليها .. رعيتها .. أودعتها قلبي .. وعندما أطل الصباح وجدت الوردة ذابلة ..ميتة ..
بعض الورد يقتلها العطف .. و تذبحها الرعاية .. إنها تلك الورود التي اعتادت على التفتح بين الأشواك ..
النجاح عندي يا صديقي سجن .. عذاب .. شوق .. حب .. خوف .. حريق .. ثورة .. وثورات النجاح عندي لا تنتهي ..
في داخلي قصر كبير يصول و يجول فيه الثوار .. وتحت عرش كل واحد منهم قنبلة موقوتة اسمها الفشل ..
أما الصداقة فهي زورق من الحب يسبح في بحر من الصدق و الوفاء والأمانة .. إنها جسر إلى العالم .. إلى حيث شيء من الراحة ..
الصديق هو أنا في شخص آخر .. هكذا قالوا .. و هكذا أقول ..
والكتابة عندي نوع من البكاء على الورق .. إنها جنازة أشيع من خلالها أيامي و أصدق مشاعري ..
الكتابة هي الحريق الكبير الذي أشعله بين أصابعي و أنا أنزف ورودا قتيلة و عصافير محنطة ..
في داخلي ذئب يعيش بين غابات نفسي وأدغالها .. أحاول اصطياده.. أطارده .. أمسك به .. أذبحه .. فأجد دمه ينبت مائة ذئب و ذئب ..
في داخلي عندليب صغير يشدو وطير بمرح في الغابة .. أحاول أن أرعاه .. وكل ما أخشاه أن أجده ذات يوم و قد ألقى بنفسه في النار ..
في دهاليز نفسي رجل أعمى يبتسم بهدوء رغم الظلام .. لا يصرخ .. لا يتبرم .. لا يشكو .. ولكنه يبكي بصمت كلما وجدني قد شيعت حلما إلى القبر ..
وفي ساحة ذاتي جثث مبعثرة .. وأمنيات محترقة ..
كل ليلة أهبط إلى ذاتي أحمل الرفش بيدي .. أدفن حلما و أزرع وردة .. أواري جثة و أحصد دمعة ..
قد تنمو الوردة .. قد تكبر الدمعة و لكن .. إلى متى ؟؟
في دمي يركض رجل كهل عاش ألف عام و عام .. يحميني من نفسي .. من الذئب ..من الحريق .. من الهزيمة .. من السقوط
.. يصفعني بقوة إذا أخطأت .. يمنحني زهرة إذا أحسنت ..
انه ضميري الذي حاولت أن أخونه ألف مرة فصفح عني ألف مرة ..
تسللت إلي مخدعه لأحرقه بفراشه .. فلم استطع ..
انه ضميري الذي يكتب بالنيابة عني و يقف لي وراء كل باب و خلف كل زاوية