.
أوفى ثلاثة أصدقاء
فال الواقدي [ مؤرخ وقاضي في الدولة العباسية ] :
كان لي صديقان, أحدهما هاشمي, وكنا كنفس واحدة, فنالتني ضيقة شديدة, وحضر العيد, فقالت امرأتي: أما نحن فنستطيع أن نصبر على البؤس والشدة, وأما صبياننا فقد قطعوا قلبي رحمة لهم؛ لأنهم يرون صبيان الجيران وقد تزينوا في عيدهم, وأصلحوا ثيابهم, وأبناؤنا على هذه الحال من الثياب الرفة! فلو جئت بشيء تصرفه في كسوتهم!
فكتبتُ إلى صديقي الهاشمي أسأله أن يمدني بأمر أتوسع به, فوجَّه إليَّ كيساً عليه ختم واضح, ذكر أن فيه ألف درهم, فلما استقرَّ قراري وفرحتُ لهذا, حتى كتب إليَّ الصديق الآخر يشكو مثلما شكوت إلى صاحبي الهاشمي, فوجَّهتُ إليه الكيس بحاله كما وصلني من صديقي الهاشمي, وخرجتُ تلك الليلة إلى المسجد وأقمتُ فيه, مستحيياً من امرأتي.
فلما دخلتُ عليها استحستنت ما كان مني, ولم تعنّفني عليه.
فبينما أنا كذلك إذ لقيتُ صديقي الهاشميُّ ومعه الكيسُ المختوم, فقال لي: اصدقني عما فعلته فيما وجهتُ إليك؟ فأخبرته بما حصل. فقال الهاشمي: إنك طلبتَ مني وما أملك على الأرض إلا ما بعثت به إليك, وكتبتُ إلى صديقنا أسأله المواساة فوجّه إليَّ بكيسي الذي وجهته أنت إليه! فتواسينا الألف ثلاثاً!
ثم وصل الخبر إلى الخليفة المأمون فدعاني, فشرحتُ له الخبر, فأمر لنا بسبعة آلاف دينار؛ لكل واحد ألفا دينار, ولامرأتي ألف دينار!