مستركليسر كيف نصل الى السعاده
الحياة معاناة .....لاشك في ذلك.....
والكثير منا يعانون في هذه الحياة ......ولايكادون يجدون السعادة إلا فيما ندر....لماذا ؟ .......لأنهم يعيشون داخل بوتقة الألم النفسي والصراع الفكري والشعور بالقلق حينا ، وبالخوف من تقلبات الحياة والزمن حينا آخر......بعضهم يلجأ إلى الهرب من ذاته ومن خواطره بالإختلاط بالناس وإفراغ كل مافي ذهنه من أفكار وخواطر أمامهم ليعالج قلقه وخوفه ويتخلص من شعوره المرعب بالوحـدة .
والبعض ينغمس في حياة المتع والتهتك ، وبعضهم يلجأ إلى المسكنات النفسيَّة أو المخدرات....وقد يهرب من يستطيع إلى الفلسفة بكل مافيها من تعقيدات
ويجد جمعُ منهم راحتـــه في الإيمـــان بالله والإستسلام لكل ما هو مكتــوب ومقـــدر. ....وفي ذلك عزاء وراحة حقيقية.
البعض الآخر لايحس بمثل هذه المعاناة في الحياة ؛ لأنه لايشغل نفسه بالتفكيرفيما لايبتعد عن نطاق حياته....وحياة من حوله... فهو يعيش الحياة يوما بيوم ...وساعة بساعة .
قد يستمتع بهذا اليوم الذي يعيشه وقد لايستمتع ....ولكنه على كل حال فارغ البال من أي مشكلة غير يومية ولاتدور في مجال معيشته أو تفكيره اليومي.
وهناك نفر تركبهم الهواجس والهموم لكل أمر مهما تفُهَ شأنه ...هؤلاء غالبا ما يشغلون أنفسهم بأمورهم الشخصيّة لدرجة أنَّهم لايحسون بتعاسة غيرهم من البشر.
وهناك من تتملكهم الهموم لأمور تخرج عن نطاق حياتهم وتتجاوزها إلى نطاق الهم البشري كلُّه....تشغلهم أمور ماقبل الحياة وبعدها وماوراءها ...وما يدور في الحياة نفسها من أفكار ومشاغل وأحداث
التفكير في الحياة ومشاكلها الكثيرة أمر متعب ...ولكن الهروب من المشاكل وتركها تتراكم هو أمرأكثر إرهاقا ومشقَّـة......والهرب من الذات ومن المشاعر المتعبة والحزينة والذكريات المؤلمة.....قد يكون حلا مؤقتـٌأ .
ولكنَّ الهروب من الذا ت ومحاولة العيش بعيدا خارجها يجلب للإنسان التعاسة.....كلّ التعاسة ...فمالم تكن سعيدا مع ذاتك متوائما معها فإنك لن تشعر بطعم الهناء والراحة مهما فعلت وحيثما توجَّهت .....
العظماء والمبدعون يعانون ولكنهم ينكفئون على ذواتهم فيستخرجون أجمل مافيها ....ينقبون عن مصادر الألم ويخرجونه شعرا وأدبا وفنا ....فيخف الألم بداخلهم وتشعُّ ذواتهم بالصفاء وبالهدوء .
إنَّ بداخل كل واحدٍ منا ينابيعا متدفقَّـة بالعطاء و بالخير والجمال تحتاج فقط إلى من يكتشفها ويتمتع بوجودها ويمتع بها الآخرين من حوله.....فلمَ نبقيها بداخلنا؟...لمَ لانبحث عن مواطن الجمال والخير ونخرجها وننشرها حولنا ؟...
نحن بحاجة إلى أن نعرف أنفسنا تماما ....ونتعايش معها كماهي ...فمالم نعش ذواتنا الحقيقيَّة ونفهمها فإننا لن نشعر بطعم الحياة الحقيقي.....كثير من سكان هذا العالم يعيشون ويموتون دون أن يشعروا بنبض الحياة بدواخلهم .....يعيشون وكأنهم ماعاشوا ..ولاسكنوا هذا الكون مع من سكنه.
الولوج إلى أعماق الذات يحتاج جرأة وجهدا .....فالذت لاتفتح أبوابها إلا لمن يملك مفاتيحها ....الصبر ...الشجاعة ....التأمل الواسع والعميق.
وحين يمتلك الواحد القدرة على التفاهم مع الذات ...وحين يصير قريبا منها ...تصبح لديه القدرة على التواءم مع الحياة كلها....وتضيء مشاعل الحياة بداخله.
ليس من الفطنة قهر الذات ومحاربتها ....وليس من الحكمة تجاهل مطالب النفس ورغباتها ...بحجة التغلب على طمع النفس الإنسانية والسمو بها.......هذا خطأ شنيع فبالإقتراب من ذاتـك ستجد أنك صرت أكثر قدرة على التفاهم معها وترويض مطالبها .....وعلى إشاعة الإستقرار والسكينة بداخلها....والذات الإنسانيَّة ليست من النوع الذي لايشبع ولايقنع كمايرى البعض ....إنها فقط تحتاج إلى الشعور بالإكتفاء ...وهذا يتحقق من خلال إيجاد وسيلة التعبير الصحيحة لإثبات قدراتها وتحديد مطالبها .
أيها التعساء جربوا الدخول إلى ذواتكم .....إلى عوالمكم الخفية التي لايصل إليها أحد غيركم ....جربوا الإستمتاع بلحظات التأمل الداخلي العميق والواعي ....والتعود على التأمل الخارجي بمساعدة ذواتكم ....وستجدون أنكم امتلكتم الحكمة الصعبة المنال ...ووصلتم إلى ساحل الأمان الذي ينقذكم من الخوف والقلق والتمزق النفسي .....ومع الإستغراق في فحص الذات وتأمل الحياة والأحداث لاتنسوا قيمة الإيمان وضرورته لهدوء النفس وراحتها .....الإيمان بالله تعالى وبقدراته الكليِّة على العناية بكم وتدبير أموركم وتيسير حاجاتكم....وهذا ليس استسلاما يائسا كما يرى البعض ...وإنما هو منتهى الحكمة ......فمن يقدر على مساعدة النفوس المتعبة والمرهقة سوى خالقها وموجدهـا العظيم ؟....وبمعونته تعالى ...ثمَّ بنجاحكم في فهم ذواتكم وتعويدها على الإيمان الخالص ستجدون أن الحياة تصبح أجمــل وأحلى وأكثر قيمة وفائدة.