من ذكريات التدريس في القرية:
يوم الجمعة .. بعد الصلاة موعد ثابت للذهاب للقرية.
جهزت سيارتي..
امتطيت صهوة طريق الهجرة..
الجو ملبد بالغيوم.. المطر أصبح وشيكًا..
واصلت السير..
وصلت إلى طريق المعاناة.. الطريق الترابي الوعر.
الأرض ممطورة.. ترى الغدران هنا وهناك..
أمامي قاع طيني..
لا أمتلك الخبرة الكافية في التعامل مع الأجواء الممطورة في اللابة السوداء.
الطريق ممتد عبر طرف القاع الجنوبي..
دلفت مقدمة السيارة، وعندما لامست الإطارات الخلفية تربة القاع غاصت إلى أبعد حد.. توقفت.. حاولت جاهدًا إخراجها؛ فازداد الأمر سوءًا.
إلتفت يمينًا ثم شمالًا.. لا أحد.
بعد حوالي نصف ساعة، تقبل سيارة؛ وعندما رآني اتجه نحوي.
أوقف سيارته بعيدًا ثم أتى.
رأى الوضع. قال لي: المفروض أن تحاذي القاع ولا تقربه في مثل هذه الأوضاع.
لم أحر جوابًا..
ربطنا السيارة بحبل كان معه..
سحبناها إلى الخلف حتى تحررت.
شكرته بحرارة..
قال لي: خذ الطريق اليمين، وبعد مسافة يأتيك طريق آخر يسار خذه، ثم ... وأخذ يصف لي خط السير وفق إصطلاحات لا أفقه جلها..
ودعته شاكرًا، واتجهت يمينًا كما قال.
اتجاه الطريق جنوبًا وطريق مدرستي في الجهة الشرقية..
السير في أرض الحرة نهارًا لا إشكال فيه نوعًا ما لمن يقصد وجهة بعينها؛فالإتجاهات واضحة؛ لكن الداهية الدهياء هو السير ليلًا؛ فجميع الجهات الأصلية والفرعية تختلط عليك.
واصلت سيري محاولًا الميل جهة الشرق، كل ما أسعفني الطريق لذلك..
خفت أن يحل الظلام قبل أن أجد معلمًا أعرفه..
الشمس تدنو من الغروب، والوقت يمضي سريعًا..
واصلت السير، وبعد فترة، يلوح لي من على بعد الطريق الأساسي الذي أعرفه؛ فأعانقه بعدما إلتففت عليه عبر نصف دائرة، قطرها يقدّر بعشرات الكيلوهات.
وصلت إلى البيت قبل الغروب.. ارتميت على أقرب فراش وأنا منهك..
بعد نصف ساعة يحضر زملائي .. حكيت لهم مغامرتي، تحمدوا لي على السلامة..
هم أخبر مني في المنطقة، وفي التعامل مع الأجواء الممطرة في الصحراء..
تجاذبنا أطراف الحديث.. صلينا المغرب وبعد العشاء، كلًا قرَّب فراشه وانطرح عليه، وغاص في نومٍ عميق.
بقلمي
محبكم أبو باسم.