عصاميات:
سمعت هذه القصة العصامية من صديقي أكثر من مرة مشافهة؛ فأرسلت له، طالبًا منه أن يكتبها لي وأنا أصيغها بطريقتي.
فتفضل مشكورًا، وأرسلها لي مادةً صوتية.
وها أنا أصيغها بقلمي، كما هي؛ سوى تحسينات في اللفظ والعبارة، مع البقاء على الجوهر.
قال صديقي:
شاب في مقتبل العمر، سافر إلى الرياض عند خاله.
سجل في العسكرية في شرطة الرياض.
وأثناء التسجيل، يأتي له أحد المثبطين من جماعته.
قال له: أنت لست كفوًا للعسكرية، كلها أسبوع أو أسبوعان، ثم تغادر.
حزّ في نفسه هذا الكلام؛ لكنه فضل السكوت.
قُبِل في العسكرية.
بدأ التدريب والدراسة.
وبعد شهر في التدريب، وبداية التطبيق العملي، تعب من كثرة التدريبات والخفارات.
قرر الهروب.
شرع في ذلك، وعند وصوله إلى سُور معسكر التدريب، وإطلاله على مباني الرياض؛ تذكّر كلام صاحبه المثبط.
جلس وأخذ يبكي، ثم يعود أدراجه.
حاول الهروب مرة أخرى، وثالثة، ورابعة؛ وفي كل مرة يتذكر كلام المثبط؛ فيعود أدراجه إلى المعسكر.
استمر في الدراسة والتدريب؛ حتى تخرج برتبة جندي.
استلم العمل، وكان أكثره خفارات، فملّ من ذلك.
حاول الحصول على شهادة؛ علّها تفيده في الترقية.
لكن دون جدوى.
أخيرًا قرر ترك العسكر نهائيًّا.
تركها، ثم اشترى له تاكسي أجرة.
بدأ العمل.
فقال له خاله: الأجرة ما تجيب همّها.
سأفتح لك محل بيع ملابس؛ وإذا زانت الأمور، تسدِّد المبلغ؛ وإن أردت أن أكون شريكًا معك؛ فليس لدي مانع، والله يرزقنا وإياك.
تم فتح المحل، وبعد سنة؛ وبعد ما بدأت أمور المحل تتحسّن نوعًا ما.
احترق المحل بكامل بضاعته..
بعد احتراق المحل بما فيه؛ تألّم الشاب، وما استطاع إخبار خاله.
جلس أسبوعين مختفي لا يستطيع مقابلة خاله، أو إخباره، خجلًا منه.
افتقده خاله؛ فكلمه: ما بك يا فلان؟!
سلامات، لم نرك منذ مدة.
هل حدث أمر مزعج.
رد الشاب: لا شيء يا خال. لم يحدث شيء.
أصرّ خاله على أن هناك أمرًا ما يخفيه.
في النهاية قال الشاب بحسرة:
نعم يا خال؛ لقد احترق المحل، واحترقت معه كل البضاعة.
وأنا أخذت منك النقود، ولا أستطع أن أوفي معك.
قال له خاله: بسيطة يا بني.
ثم أثث له المحل من جديد.
بدأ العمل في المحل.
في زاوية المحل؛ بما يعادل متر في أخر، وضع بعض أدوات العطارة.
واستمر الوضع.
بعد فترة؛ لاحظ أن الإقبال على أدوات العطارة في ازدياد، والدخل أكثر.
زاد ما خُصِّص للعطارة.
حتى آل الأمر لإلغاء الملابس وصار المحل كاملًا خاص بالعطارة.
توسع في تجارته الجديدة- العطارة- سافر إلى الكويت؛ لإحضار مواد العطارة.
وتوسع في ذلك، شيئًا في شيئًا؛ حتى أصبح من كبار العطارين في الرياض.
زاد دخله، وزادت أرباحه؛ حتى إنه تفوّق على خاله في الدخل، وصار أكثر منه مالًا.
لم ينسَ جميل خاله معه في البدايات.
ذهب إليه وقال له:
أنت يا خال ليس لك رأس المال الذي نفحتني به في البداية فقط؛ بل أنت شريك معي مناصفة.
فكل ما ترى؛ هو بعد تقدير الله بسببك.
الأن هو من أثرياء الرياض.
بارك الله له في ماله وحاله.
ما أجمل أن تكون عصاميًا!!!
بقلمي
محبكم أبو باسم.