من ذكريات التدريس في القرية:
نزولًا عند رغبة عزيز على قلبي؛ طلب مني الكتابة عن الذكريات الرمضانية في القرية؛ أرقم لكم هذه السطور، والتي أرجو أن تنال رضاكم واستحسانكم.
لم أعاصر التدريس في رمضان في القرية، إلا في سنةٍ واحدة..
كنت وقتها ضمن هيئة التدريس بمدرسة الأصمعي بخلص التراجمة..
وخلص قرية جميلة؛ معتدلة الجو، تحيط بها الجبال الشاهقة من ثلاث جهات، وليس لها إلا مدخل واحد؛ من الجهة الشرقية الشمالية..
تربتها رملية حمراء جميلة، تكثر بين ردحاتها الأشجار الباسقة الطويلة..
وبيوتها قليلة متفرقة، ومتباعدة ..
يوجد بها مسجد جامع، شيّد على أحدث طراز، وهو بجوار المدرسة..
قضيت في هذه القرية الجميلة ثلاث سنوات..
ومن هذه القرية طويت صفحات التدريس بالقرى، واتجهت للتدريس بالمدينة..
نعود للذكريات الرمضانية للتدريس بالقرية، وهي من الذكريات الجميلة؛ رغم ماكتنف ذلك من المشاق وبعض الصعاب..
من المعلوم والمعروف أن الأكلات الرمضانية؛ وخاصة وقت الإفطار؛ تختلف عن الأكلات في باقي الأشهر..
لذا؛ هيأنا المطبخ ببعض المقادير الخاصة بتلك الأكلات، وتلك الطبخات..
وأذكر من تلك الأصناف:
لقيمات القاضي.. الكريما.. التطلي.. الشربة.. ونحو ذلك..
لكن هناك مشكلة تلوح في الأفق؛ ليس لدينا الدراية التامة، ولا المعرفة الكاملة بكيفية تحضير تلك الأطباق أو تجهيزها..
اليوم الأول؛ بعد صلاة العصر؛ النشاط في المطبخ في أوجه..
كنّا ستة معلمين، أنا وأحد الزملاء من المدينة، والأربعة الأخرين من محافظة بدر..
حضّرنا وجهزنا بعض الأطباق..
قرُب آذان المغرب..
الآن بدأ تحضير السفرة..
إزدانت السفرة بتلك الأطباق..
لفت نظري أن الأشكال والألوان لتلك الأطباق ليست كما هي في بيتنا في المدينة..
حان وقت الإفطار..
ما هذا؟!
لماذا لقيمات القاضي صلبة ومتحجِّرة.. لماذا الكريما بدت كالعصير.. ما بال.. وما بال..
المحصّلة: اختلفت مذاقات الأطعمة، والتي هي من صنع أيدينا عن المذاقات التي كنّا نعهدها في بيوتنا..
لا علينا..
الشدة الأولى عوجا؛ كما يقال..
سيتحسن الوضع غدًا، سنتلافى جميع الأخطاء..
اليوم الثاني، نسخة طبق الأصل من أمسه..
اليوم الثالث، لم يختلف عن الأوليان..
أسقط في أيدينا، وبعد مداولة قصيرة، قررنا الدوام يوميًا، وكلٌ يفطر في بيته، ولنعطِ القوس باريها..
وللدوام معاناة..
نتّجهُ للقرية بعد السحور.. ننام بعد صلاة الفجر إلى وقت الدوام المدرسي؛ حوالي الساعة العاشرة..
وبعد صلاة الظهر نعود إلى النوم إلى العصر..
نصلي العصر، ثم نقفل راجعين إلى بيوتنا..
وهكذا طيلة أيام الدراسة الرمضانية.
هذه بعض الذكريات من التدريس في القرية في شهر رمضان المبارك.
أرجو أن أكون قد وفقت في عرضها لكم.
بقلمي
محبكم أبو باسم.