من وحي الذاكرة
توفي والدي وأنا دون العاشرة، أو في العاشرة.
في السنوات القلائل التي اكتحلت بها بمشاهدة والدي؛ كنت أصحبه في الغدو وفي الرواح وفي الذهاب والإياب.
عملًا كان والدي يحرص عليه كل يوم؛ لم أتذكر أنه فرّط فيه يومًا من الأيام.
مع شروق شمس كل يوم؛ كانت المزرعة، شغل والدي الشاغل ؛ يستمر في ذلك حتى التاسعة أو العاشرة، ثم يرجع إلى مجلسه العامر( وهو ما يسمى بالدهليس أو الدهليز ) يتناول فطوره على الأغلب، ويحتسي القهوة..
ثم يبدأ فيما كان يحرص عليه دومًا.
في مكان جلوسه وخلف ظهره دولاب متهالك؛ في أسفله معاميل القهوة وحاجياتها على ما أعتقد، وفي الرف العلوي منه، يوجد مصحف كبير أوراقه صفراء تميل إلى الحمرة؛ إعتاد أن يتلو منه بعض الصفحات كل يوم.
كأني أنظر إليه الآن؛ ُيخرجُ نظارته من جيبه، يفتح مصحفه.
يبدأ بالتلاوة والقراءة.
يتتعتع فيه؛ فهو يتهجّى الكلمات حرفًا حرفا؛ فله أجران:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : «الْمَاهِرُ بِالْقُرْآنِ مَعَ السَّفَرَةِ الْكِرَامِ الْبَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ، وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أَجْرَانِ».
رحمك الله يا أبتاه وأسكنك جنات الفردوس الأعلى؛ فكم كنت عظيمًا وحريصًا على الخير؛ فلم تمنع صعوبة التلاوة ومشقتها من تعهدك لكتاب الله وتلاوته.
رسالة إلى الهاجرين لتلاوة كتاب الله من المتعلمين والمتعلمات، والدارسين والدارسات.
بقلمي
محبكم أبو باسم.