حكى بعض المجاورين كان لا يعرف الخط ولا القراءة وإنما كان يحتال على الناس بحيل يأكل منها الخبز. فخطر بباله يوماً من الأيام أن يفتح له مكتباً. ويقرئ فيه الصبيان فجمع ألواحاً ،
وأوراقاً مكتوبة وعلقها في مكان وكبر عمامته وجلس على باب المكتب. فصار الناس ينظرون إلى عمامته وإلى الألواح والأوراق فيظنون أنه فقيه جيد فيأتون إليه بأولادهم. فصار يقول لهذا: اكتب. ولهذا: اقرأ. فصار الأولاد يعلم بعضهم بعضاً. فبينما هو ذات يوم جالس في باب المكتب على عادته وإذا بامرأة مقبلة من بعيد وبيدها مكتوب. فقال في باله: لا بد أن هذه المرأة تقصدني لأقرأ لها المكتوب الذي معها فكيف يكون عملي معها وأنا لا أعرف قراءة الخط. وهم بالنزول ليهرب منها. فلحقته قبل أن ينزل وقالت له: إلى أين. فقال لها: أريد أن أصلي الظهر وأعود. فقالت له: الظهر بعيد فاقرأ لي هذا الكتاب. فأخذه منها وجعل أعلاه أسفله وصار ينظر إليه ويهز عمامته تارة ويرقص حواجبه تارة أخرى ويظهر غيظاً. وكان زوج المرأة غائباً والكتاب مرسل إليها من عنده. فلما رأت الفقيه على تلك الحالة قالت في نفسها: لا شك أن زوجي مات وهذا الفقيه يستحي أن يقول لي أنه مات. فقالت له: يا سيدي إن كان مات فقل لي. فهز رأسه وسكت. فقالت له المرأة: هل أشق ثيابي. فقال لها: شقي. فقالت له: هل ألطم وجهي. فقال لها: الطمي. فأخذت الكتاب من يده وعادت إلى منزلها وصارت تبكي هي وأولادها. فسمع بعض جيرانها البكاء فسألوا عن حالها فقيل لهم: إنه جاءها كتاب بموت زوجها. فقال رجل: إن هذا كلام كذب لأن زوجها أرسل لي مكتوباً بالأمس يخبر فيه أنه طيب بخير وعافية وأنه بعد عشرة أيام يكون عندها. فقام من ساعته وجاء إلى المرأة وقال لها: أين الكتاب الذي جاءك فجاءت به إليه. فأخذه منها وقرأه وإذا فيه: أما بعد فإني طيب بخير وعافية وبعد عشرة أيام أكون عندكم وقد أرسلت إليكم ملحفة ومرطاً. فأخذت الكتاب وعادت به إلى الفقيه وقالت له: ما حملك على الذي فعلته معي. وأخبرته بما قال جارها من سلامة زوجها وإنه أرسل إليها ملحفة ومرطاً. فقال لها: صدقت ولكن يا حرمة اعذريني فإني كنت في تلك الساعة مغتاظاً مشغول الخاطر ورأيت المرط ملفوفاً في الملحفة فظننت أنه مات وكفنوه. وكان المرأة لا تعرف الحيلة فقالت له: أنت معذور. وأخذت الكتاب وانصرفت عنه…