هذا هو اللقاء الأخير في هذا الموضوع .، وقد تحوي هذه المشاركة معلومة جديدة على البعض ، وللأسف أن نقول عنها أنها جديدة ولكن لأننا نشأنا وتعلمنا في مدارسنا المعلومة الخاطئة !
إن مما يتمسك به أهل الباطل ( المجاز ) فإذا جاءوا إلى نص من القرآن أو السنة ، وأرادوا أن يبطلوه قالوا : هذا مجاز ، وليس حقيقة ، فينفون الحقيقة عن كلام الله ورسوله بهذه الدعوى !
وقد تمسك به هؤلاء المحرفون ، أقصد محرفي أشراط الساعة ، فجعلوه في قائمة ما يستندون عليه في تحريفهم .
فكل من أراد أن ينفي شيء قال : هذا مجاز ، حتى في الأسماء والصفات وهي التي يتلذذ المؤمن بدعاء الله عز وجل بها ، قالوا : هذه مجاز ولا حقيقة لها !
فهل في اللغة العربية مجاز ؟ اختلفوا على ثلاثة أقوال :
فقال قوم : اللغة فيها مجاز مطلقًا .، بل شذ بعضهم فقال : اللغة كلها مجاز !
وقال بعض العلماء : اللغة فيها مجاز ، ولكن ليس في القرآن و السنة مجاز ، قالوا : لأن المجاز يصح نفيه ، و لا يوجد في كلام الله و رسوله ما يمكن نفيه ، فليس من المعقول أن يقول الله ورسوله قولًا ، فيأتي من يقول : لا . الأمر ليس كذلك .
فمثلًا هؤلاء المحرفون النبي عليه الصلاة و السلام يقول : الدجال رجل قصير ويذكر أوصافه بحيث لا يخفى على أحد ، فيأتي هؤلاء ويقولون : لا . ليس الدجال رجلًا وإنما هذا مجاز !
فينفون كلام النبي عليه الصلاة و السلام بدعوى المجاز .
وذهب بعض من الأئمة المرضيين من العلماء المحققين والذين جعل الله لهم القبول في الأرض ، إلى أنه لا يوجد في اللغة العربية مجاز مطلقًا ، واختاره ونصره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم والشيخ ابن عثيمين ، ومحدث العصر الشيخ الألباني رحمهم الله ، وغيرهم من العلماء .
واستطاع هؤلاء أن يردوا على أدلة مثبتي المجاز ، بينما عجز المثبتين عن الرد على أدلتهم ! حتى أن أحد البلاغيين المعاصرين وهو من المتعصبين لإثبات المجاز، وألف فيه كتباً ، عندما أراد أن يرد على كلام ابن تيمية رحمه الله في منعه للمجاز وصف حال من يقرأ كلام ابن تيمية بأنه : (
يجد نفسه أمام صخرة عاتية لا تعمل فيها المعاول إذا أريد النيل منها )
فهذا الكلام فيه اعتراف ضمني بالعجز ، وفيه اعتراف ظاهر بقوة كلام ابن تيمية رحمه الله في المنع ، مع أنه دكتور في البلاغة بل من المتعصبين للمجاز غفر الله لنا وله !
فهو يشبه نفسه بمن عزم على النيل من صخرة عاتية أمامه ، وأحضر معاوله ، وأخذ في العمل للنيل منها ، ولكنه لم يفلح .
والحق أنه بسبب ( المجاز ) عُطلت صفات الله سبحانه ، وأُلحد في أسمائه عز وجل ، فالمجاز عامل من عوامل هدم الدين ، حتى أن ابن القيم رحمه الله في ( الصواعق المرسلة ) اعتبره طاغوتًا من طواغيت هدم الدين .
ولعلي أذكر بعض الأمثلة التي يٌقال أنها مجاز ، وهي في الحقيقة ليست كذلك :
إذا قلت ( سال الميزاب ) فلا يمكن أن يوجد عربي يفهم اللغة العربية ، أن ينصرف ذهنه إلى أن ( الميزاب ) انصهر وذاب فسال ، بل كل من يفهم اللغة العربية سيفهم أن مقصدك : سال الماء من الميزاب .
فقولك ( سال الميزاب ) ليس مجازًا بل هو حقيقة في هذا المعنى .
( واسأل القرية التي كُنَّا فِيهَا ) لا يمكن أن يأتي عربي يفهم اللغة العربية جيدًا ، و ينصرف ذهنه إلى أن المقصود : أن يسأل جدران القرية .، بل سيفهم مباشرة أن المقصود سؤال أهل القرية .
فـ ( واسأل القرية ) ليس فيه مجاز ، بل هو حقيقة في هذا المعنى .
تقول : رأيتُ أسدًا يفتك بالأعداء في المعركة ، لا يمكن أن ينصرف الذهن إلا أنك تقصد رجلًا شجاعًا ، فكلمة ( أسد ) وُضعت على الحقيقة هنا .
هذه بعض الأمثلة وهي كثيرة .
ومن الأفضل قراءة أهم المراجع في هذا الباب : كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية.، ورسالة في الرد على الآمدي ، من ضمن المجموع .
أما كتاب ابن القيم فمن الأفضل شراء ه مع المختصر ، فقد طُبع الكتاب على حده وهو غير مكتمل ، وطُبع المختصر على حده .
ولكن جاء من جمعهما في مجلد واحد ، وهو مطبوع بهذا الاسم : الصواعق المرسلة على الجهمية و المعطلة مع تكملته من "مختصر الصواعق المرسلة" ........... ( المكتبة العصرية ).
وقد تكلم الشيخ رحمه الله في هذا الكتاب عن ( المجاز ) في أكثر من مئتي صفحة ! .