هذه النقطة وما يأتي بعدها مهمة جدًا جدًا ، وخطرة جدًا، وتحتاج إلى تركيز وتأمل، فنحن في هذا الموضوع لا يهمنا الكلام عن نتيجة المناظرة، بقدر ما يهمنا بيان تحريف المقدمة التي ترتبت عليها النتيجة !
لو قال هذا المدعي الكافر : يا إبراهيم الأرض تدور بنا فنحن من يأتي للشمس، وليس ربك من يأتي بها ، أليست حجته قوية بناءً على هذه النظرية ؟ ألا يكون قوله أصدق وأصرح من قول الخليل عليه السلام عند الملاحدة ؟
بلى والله إنها حجة قوية بناءً على هذه النظرية، عند هذا الكافر وأتباعه وأمثالهم من الملاحدة ، وأتحدى من يؤمن بهذه النظرية أن يقول غير هذا ، وهي بهذه القوة تكون قد أضعفت حجة إبراهيم عليه السلام ، وأتحدى هؤلاء أن يأتوا في ردهم على الملاحدة، بجواب قوي يُضعف من قول هذا المدعي ويُقوِّي وينصر قول الخليل عليه السلام !
فلو فُرض أن من يؤمن بهذه النظرية من مسلمي هذا اليوم كان حاضرًا للمناظرة، فماذا عساه أن يقول؟ سيقول : إن إبراهيم- عليه السلام- يقصد ويقصد ويقصد ، ولكن هل ستبقى حجة الخليل عليه السلام بنفس القوة أم تكون قد فقدت قوتها ؟
بكل تأكيد تكون قد فقدت قوتها لأن هذا الملك وأتباعه لن يلتفتوا لشرح هذا الرجل ، بل سيضحكون ويسخرون منه ! وبناءً على هذا لا يصدق على حجة إبراهيم عليه السلام أن يقال بعدها ( فبهت الذي كفر ) عند ملاحدة اليوم دون الطعن في إبراهيم عليه السلام ! وسيأتي توضيح هذا بمشيئة الله .
فهل كلام الخليل عليه السلام في حجته بحاجة لمثل هذا ؟ بالطبع ، لا . فهي حجة صادقة واضحة وصريحة في البيان في كل كلمة ، وأن الذي كفر قُطع وبُهت ! وأنها غير قابلة للمعارض في كل كلمة منها على مدى الزمان .
وربما يقول قائل : إن الخليل عليه السلام تكلم بما يفهمه الناس في ذلك الوقت، لذلك هذا المدعي لم يخطر في باله هذا الكلام، ولو كانت النظرية معلومة في ذلك الوقت لجاء الخليل عليه السلام بألفاظ تناسبه .
فنقول: إن هذا الكلام غلط عظيم، لأن هذا معناه أن إبراهيم عليه السلام تكلم بخلاف الواقع ، وتبين لنا نحن اليوم أن حجة إبراهيم عليه السلام ليست صادقة في نفسها ( ليست مطابقة للواقع في حقيقة الأمر )، وأن الذي كفر بُهت لجهله وليس لقوة الحجة!
وإذا افترضنا مثل افتراضك هذا، فسيؤدي للشك في كل ما أخبرت به الأنبياء ، فما يدرينا عن صدقهم في كل ما أخبروا به؟ ، فربما تكلموا عن البعث وعن النار من أجل تخويف الناس، حتى تنتظم مصالحهم ولا يظلم بعضهم بعضًا ، والحقيقة أنه لا يوجد لا بعث ولا جنة ولا نار .
فمثل هذا الافتراض عن الأنبياء ، غلط عظيم ويترتب عليه مفاسد كثيرة من تكذيب للأنبياء وإبطال للشرائع .
وقد يقول قائل : أن الكافر بُهت في أصل موضوع المناظرة وهو عدم قدرته على إثبات ربوبيته وعجزه عن التحكم في سير الشمس ، فأقول له :